مديرية الحوار الفكري

كلمة سماحة السيّد عبد القادر الآلوسي حفظه الله في المؤتمر الذي أقامته المفوضيّة العليا لحقوق الإنسان والذي جاء تحت عنوان “دور الحشــد الشعبي في تعزيز العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان”

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الخلقِ سيّدِنا محمدٍ، وعلى آلِه الطيّبينَ الطاهرين، ورضوانُ اللهِ تعالى عن صحبِه والتابعينَ له بإحسانٍ.. أمّا بعدُ:

اليومَ، عندما نتحدّثُ عن العدالةِ الاجتماعيّةِ، فجديرٌ بالعراقِ أن يُمثّلَ العدالةَ بأصالتهِ وحضاراتهِ العريقةِ التي أسّستْ مفهومَ العدالةِ للبشريّةِ، وإذا أردنا أن نتحدّثَ عن العدالةِ، لا بدَّ أن نستذكرَ الملكَ السومريَّ أوروكو جينا، الذي أسّسَ العدالةَ الاجتماعيّةَ بأعمالهِ، فهو يُعدُّ مؤسّسَ أوّلِ قانونٍ إصلاحيٍّ في التاريخِ، ولا نشكُّ بأنّهُ من أتباعِ الأنبياءِ.

نستذكرُ أيضاً قانونَ عشتار، وقانونَ حمورابي، وغيرها من القوانينِ التي رسّختْ مفهومَ العدالةِ الاجتماعيّةِ، فالعراقُ بأصالتهِ يُمثّلُ الحضارةَ الإسلاميّةَ العريقةَ، فهو يستحقُّ أن يُمثّلَ العدالةَ الاجتماعيّةَ، وكما جاءَ في القرآنِ الكريم:

(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).

هذه النصوصُ العظيمةُ التي تُخلّدُ اهتمامَ حضارتِنا الإسلاميّةِ وترسيخَها لقيمِ ومبادئِ العدلِ وحقوقِ الإنسانِ، فالنبيُّ الكريمُ بسيرتهِ العطرةِ، حين استقبلهُ أحدُ رؤوسِ القبائلِ وسألهُ: يا ابنَ قريشٍ أو يا أخا قريشٍ، ما الذي تدعو إليه؟ فتلا له النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم:

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،

فقال له: إنّك لتدعو إلى مكارمِ الأخلاقِ ومحاسنِ الأعمالِ، أفِكَ قومٌ كذّبوك وتظاهروا عليك؟ نعم، هي شهادةٌ عربيّةٌ من رجلٍ عربيٍّ عريقٍ.

إنّها حضارةُ الأنبياءِ، إنّها الوحيُ المنزّلُ من السماءِ.

هذا النبيُّ الكريمُ الذي رفرفتْ على رأسهِ حمامةٌ، فقال: من أفجعَ هذهِ بأفراخِها؟ ردّوا إليها أفراخَها، فصلّوا وسلّموا عليه.

ومن يُمثّلُها حقيقةً هو من يحملُ هذه الحضارةَ، ومن يحملُ رايتَها، ويبقى ذلك إلى قيامِ الساعةِ.

ولكن أُريد أن أذكرَ هنا، أنّ المتاجرةَ بالعدالةِ الاجتماعيّةِ وحقوقِ الإنسانِ من دولٍ، هي لا تُمثّلُ هذه العدالةَ، ولا تُمثّلُ حضارةً إنسانيّةً عريقةً.

اليومَ، تُمتَحنُ الإنسانيّةُ فيما حصلَ في غـ&ـ.ـزة، في حقوقِ الإنسانِ، وأدعياءِ العدالةِ الاجتماعيّةِ، فنراهم في كلِّ مؤسّساتِهم التي يُسمّونها بهذه الأسماءِ الجميلةِ، الأسماءِ العريقةِ، ولكنّها – مع الأسفِ – لا يُمثّلونَها بأعمالِهم وأفعالِهم.

فهذه المجازرُ، وطوفانُ الأقصى، لقد فضحَ فعلاً هذه الدولَ التي تدّعي حقوقَ الإنسانِ، ولكنّها تتاجرُ بها، وهي تبحثُ عن مصالحِها هنا وهناك، وهي تحتلُّ بلدانَ المسلمين، وتستضعفُ المستضعفين.

فالعدالةُ الاجتماعيّةُ لا يُمثّلُها جوازٌ غربيٌّ، بل يُمثّلُها الشعبُ العراقيُّ الأصيلُ، يُمثّلُها المؤسّساتُ العريقةُ في هذا البلدِ الحضاريِّ العريقِ.

العدالةُ الاجتماعيّةُ يُمثّلُها الحشـ&ـ.ـد الشعبــ&.ـي البطلُ، الذي رأيناهُ في المعاركِ من خلالِ قادتِه الأصلاءِ، فهذا شهيدُنا، شهيدُ العراقِ البطلُ، أبو مهـ&ـ.ـدي المهندس، رحمه الله، رأيناهُ في الفلوجةِ كيفَ تركَ المعركةَ وتركَ الخططَ العسكريّةَ ليُعطيَ وقتاً ومساحةً عظيمةً لحقوقِ الإنسانِ، وللعدالةِ الاجتماعيّةِ، فذهبَ إلى النازحينَ، وإلى المعبرِ، ووقفَ هناك عندَ الشيوخِ والنساءِ ساعاتٍ وساعاتٍ؛ ليُحقّقَ لهم هذه العدالةَ الاجتماعيّةَ.

ورأيناهُ في معركةِ الموصلِ كيفَ يتركُ المعركةَ أيضاً، ويتّجهُ إلى القرى النازحةِ والمرتعبةِ والخائفةِ، ويقفُ مع الأطفالِ.

العدالةُ الاجتماعيّةُ لا يمثل جواز غربي بل دمعة طفل جائع وصيحة أم ثكلى، يُمثّلُها شهيدٌ يُحرَمُ حقَّ الدفنِ في غـ&ـ.ـزة، وفي غيرِ غـ&ـ.ـزة.

العراقُ يستذكرُ هذا اليومَ لأنّه الأصيلُ الذي يُدافعُ عن هذه الحقوقِ، التي هي في الحقيقةِ اليومَ تُوضَعُ لتجارةٍ عالميّةٍ، فهناكَ القوى الغربيّةُ التي تتاجرُ بالحقوقِ، والتي حوّلتِ المرأةَ إلى سلعةٍ للإعلاناتِ التجاريّةِ، بينما يُحافظُ العراقُ وتُحافظُ الحضارةُ الإسلاميّةُ على القيمِ الأصيلَةِ للأسرة، وعلى جوهرةٍ كالمرأةِ، وعلى جوهرةٍ كالطفلِ، بكلِّ ما تحملهُ هذه الحضارةُ من توصياتٍ إنسانيّةٍ، ومن أحاديثَ نبويّةٍ، ومن آياتٍ كريمةٍ تُتلى ليلَ نهارٍ على هذه الأمّةِ.

فهي فعلاً جديرةٌ ومستحقّةٌ لهذا اليومِ، وخاصّةً أبطالُ العراقِ من القوّاتِ الأمنيّةِ بكلِّ أصنافِهم، وأبطالُ الحشـ&ـ.ـد الشعبــ&.ـي البطلِ.

نشكُرُ كلَّ من ساهمَ بهذا الحضورِ المباركِ، نشكُرُ الجهودَ الكبيرةَ التي يبذلها الأمينُ العامُّ لهيئةِ الحشـ&ـ.ـد الشعبــ&.ـي، وهو يُرسّخُ هذه المعاني، ويُظهرُ رسالةَ الحشـ&ـ.ـد الشعبــ&.ـي البطلِ للناسِ جميعاً، وللعالمِ، فأسألُ اللهَ تعالى أن يتقبّلَ عملَ هذا الجمعِ المباركِ الكريمِ، والسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ.

المديرية العامة لمكافحة الإرهاب الفكري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى