العامة

تصنيف التطرّف أساساً لمواجهة الإرهاب الفكري

عندما تعتزم أيُّ دولة أو مؤسسة وضع منهجٍ أو آليةٍ للتغلّب على مظاهر التطرّف، فلا بدّ أوّلًا من تصنيف هذا التطرّف؛ إذ إنّ لكلّ صنفٍ علاجًا خاصًّا، ولكلّ مشكلةٍ آليةً مناسبة. ويُعَدُّ تشغيل العقل في الحدّ من ظاهرة التطرّف من أولويّات الأسلحة المستخدمة.

ينبغي أن يدرك الجميع أنّ العدل والمساواة والمشاركة في الحياة، والشراكة في الوطن، وحقّ تقرير المصير هي حقوقٌ للجميع. فتعطيل العقل وسلبه حقَّ التفكير يدفع الفرد إلى منزعٍ منحرفٍ بحجّة الثأر لفكره المصادَر وحقّه المسلوب. عندئذٍ يتولّدُ لديه فكرٌ تسوده روح الانتقام والكراهية، ويتحوّل هذا الفكرُ من تطرفٍ إلى إرهابٍ قد يتجلّى في صور عدّة: إرهابٍ مسلّح، أو ثقافي، أو اجتماعي، أو فكري. وأخطر هذه الأنواع هو الإرهاب الفكري، لأنّه قائمٌ على معتقداتٍ راسخة يصعب نقضها.

الإرهاب هو نشرُ الرعب والفزع والخوف بين الأفراد والدول، بما يفضي إلى الخطر والدمار. وقد سعت دولٌ ومؤسساتٌ إلى تقييد هذا الإرهاب وكبح جماعاته، لكن النتائج لم تبلغ ما أُريد لها بسبب دعم جهاتٍ نافذة لهذا الإرهاب الفتّاك.

إنّ الفراغ الفكري الذي يعانيه الشباب اليوم، وغيابَ من يحرّك عقولهم، يفسحان المجالَ للفكر المتطرّف كي يتسلّل إليها، فيشيّد بُنى متشدّدة تُفضي إلى إرهابٍ صريح. وأقرب مثالٍ على ذلك عصابات التكفير التي أغرت الشباب وغسلت عقولهم بمفاهيم مغلوطة لا تمتّ إلى الإسلام ولا حتى إلى الإنسانيّة بصلة؛ إذ صوّروا لهم القرآن الكريم كتابَ حربٍ وقتال، واستدلّوا بآياتٍ فسّروها على أهوائهم بعقولٍ قاصرة.

لذلك يجب أن يكون العملُ لمواجهة هذا العدوّ الماكر عملًا شاملاً، وعلى الدول أن تسخّر طاقاتها وكلَّ مقوّمات الدفاع عن الإنسان والعقل والوطن. ومن الضروريّ أن يكون مَنْ يتصدّى للفكر المتطرّف صاحبَ فكرٍ متنور، يضع كلَّ شبهةٍ على طاولة النقاش، ويفنّد الرأي الباطل بالأدلّة النقلية والعقلية. ويقتضي الأمرُ كذلك إنشاءَ مراكز متخصصة لهذا الغرض، لأنّ التحدّي بالغُ الخطورة.

السيد

حيدر محمود العبدلي

مدير مكافحة الإرهاب الفكري / الأنبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى